المنہاج السوی من الحدیث النبوی ﷺ

الخطبۃ السدیدہ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الأحد الصّمد، الماجد الحميد المتحمّد الّذي لا تحيط به الأفکار ولا تنتهي إليه الأسرار، ولا تدرکه البصائر والأبصار، والصّلاة والسّلام علي عبده الأعبد وحبيبه الأوحد ورسوله الأمجد وأمينه الأجود سيّدنا ومولانا محمّد نالمرسل الأکمل الأجمل الأفضل الأعظم الأکرم الأسلم الأحلم الأعلم، مصدر الأمر والخلق، ومبدأ الرتق والفتق، ومنبع الجمع والفرق، ومنظر النّور والبرق، هو الّذي أخذ منه ونطق عنه وشهد الله به: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوٰىo اِنْ هُوَ اِلَّا وَحْي يُّوْحٰىo) (النجم، 53: 3 - 4)

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’ألا إنّي أُعطيت القرآن ومثله معه.‘‘ رواه أحمد وأبوداود والدارمي وابن ماجه عن المقدام بن مَعْدي رضي الله عنه. وروي أبوداود والترمذي عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’ألا وإنّ ماحرّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم کما حرّم الله.‘‘ وفي رواية ابن ماجه: ’’مثل ما حرّم الله.‘‘ فبيّن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قد أعطاه الله تعالى وَحْيَيْنِ، هما: وحي القرآن العظيم و وحي السنّة النبوية، فالقرآن وحي متلوٌ متعبَّد بتلاوته وأمّا السنّة فهي وحي غير متلوٍّ وغير متعبَّد بتلاوته. ولذالک جاء في الحديث النبوي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الحديث هو من الوحي لأنّه لا يمکن أن يصدر منه صلى الله عليه وآله وسلم کالوقائع البشرية کما جاء في الحديث عن أسماء بنت أبي بکر الصديق رضي الله عنهما: فخطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس، فقال: ’’وإنّه قد أوحي إليّ أنّکم تفتنون في القبور، قريباً. أو مثل فتنة المسيح الدجال.‘‘ الحديث بطوله، متفق عليه. وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم خطيباً، فقال: ’’وإنّ الله أوحي إليّ أن تواضعوا، حتي لا يفخر أحد علي أحدٍ....‘‘ الحديث، رواه مسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ’’وقد أوحي إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبشرها ببيت لها في الجنّة من قصب....‘‘ الحديث. متفق عليه. وقال الإمام الحسن البصري رضي الله عنه: ’’أي قوم خذوا عنّا (سنّة النّبي صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّکم والله إلا تفعلوا لتضلنّ.‘‘ رواه البيهقي في مدخل الدلائل، وروي الإمام الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: ’’کان جبريل عليه السلام ينزل علي النّبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسّنّة کما ينزل عليه بالقرآن.‘‘ رواه الدارمي في السنن. وعن الأوزاعي قال: أيوب السختياني: ’’إذا حدّثت الرجل بالسّنّة فقال: دعنا من هذا وحدّثنا من القرآن، فاعلم أنّه ضالٌ مضلٌ.‘‘ أخرجه الحاکم والبيهقي والخطيب. وقال الأوزاعي ومکحول ويحي بن أبي کثير وغيرهم: ’’القرآن أحوج إلي السّنّة من السّنّة إلي الکتاب، والسّنّة قاضية علي الکتاب وليس الکتاب قاضياً علي السّنّة.‘‘ رواه الدارمي في السنن.

وصرّح الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في کتابيه ’’الأم‘‘ و ’’الرسالة‘‘ بأنه ما فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا قطّ إلا بوحي، فمن الوحي ما يُتْلي، ومنه مايکون وحياً إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيستن به وقال: فأمر الله تعالى إيّاه وجهان: أحدهما: وحي ينزل، فيتلي علي الناس. والثاني: رسالة تأتيه عن الله تعالى، بأن افعل کذا فيفعله... ، وکذالک قال الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله تعالى في ’’الإحکام‘‘ فصحّ لنا أنّ الوحي من الله عزوجل إلي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ينقسم إلي قسمين: أحدهما: وحيٌ متلُوٌّ. والثاني: وحيٌ مرويٌّ، وهما شيء واحد في أنّهما من عند الله تعالى وحکمهما حکمٌ واحدٌ، ونقل الإمام السيوطي عن الإمام أبي المعالي الجُوَيني رحمه الله تعالى قال: کلام الله المنزّل قسمان: قسمٌ: قال الله عزوجل لجبريل عليه السلام: قل للنّبي أنت مرسلٌ إليه: إن الله تعالى يقول: افعل کذا وأمر بکذا؟ ففهم جبريل ماقاله ربّه، ثم نزل بذلک علي النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم تکن تلک الکلمة عبارته، وقسمٌ آخر: قال الله تعالى لجبريل عليه السلام: اقرأ علي النّبي عليه السلام  هذا الکتاب، فنزل جبريل عليه السلام بکلمة من الله تعالى، من غير تغيير فثبت أنّ جبريل عليه السلام کان ينزل بالسّنّة کما ينزل بالقرآن، فالقرآن هو رواية کلام الله تعالى لفظاً والسّنّة هي رواية کلام الله تعالى معناً فأمّا المقصود من الأوّل هو التلاوة والتعبّد والمقصود من الثّاني هو الرواية والتنقّل.

فإنّ الوحيين، القرآن والسّنّة، بعضهما مضاف إلي بعضٍ فکلّ واحدٍ من هذين يستلزم الآخر فإثبات القرآن يقتضي إثبات السّنّة وإنکار السّنّة يقتضي إنکار القرآن.

فإنّ هذا الأصول بيّن وثابت من قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوْا اللهَ حَقَّ قَدْرِه اِذْ قَالُوْا مَا اَنْزَلَ اللهُ عَلٰي بَشَرٍ مِّنْ شَئٍ) (الأنعام، 6: 91) هذه الآية دآلّة علي أنّه لا يوجد ولا يقبل الاعتراف بقدر الله تعالى ولا بعظمة ألوهيّته قطعاً إلّا بإقرار الرّسالة والنّبوّة. لأنّ الرّسالة والنّبوّة هي واسطةٌ وحيدةٌ ووسيلةٌ فريدةٌ لمعرفة وجوده تعالى وألوهيّته ولتبليغ شريعته إلي عباده ولتشکّل طاعته لأحکامه وأوامره، حيث اجتبي الله عزوجل الرّسل العظام واختارهم للأخذ من الخالق والإيصال إلي الخلق، واصطفاهم للقبول من الخالق والإفضال علي الخلق. واختصّهم للعطاء من الخالق والقسم بين الخلق، وشرّفهم بالسّماع من الخالق والرّواية للخلق. وعزّزهم بالوحي من الخالق والهدي للخلق. وأکرمهم بالکتاب من الخالق والسّنّة للخلق.

فلا بدّ أن نؤمن بالله تعالى ونقرّ التّوحيد ونعرف قدر الألوهيّة بواسطة الرّسالة ومعرفة عظمتها وحجيّة أسوتها واتّباع سنّتها کما قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌO) (الشورى، 42: 51) فإنّ هذه الآية صرّحت بأنّ الله تعالى لا يعطي أمره ولا يوصل کلامه مباشرة إلي عالم البشريّة والإنسانيّة إلّا بواسطة النّبوّة والرّسالة.

فإنّه يصطفي من عباده أحدا فيجعله نبّيًا ورسولا ويشرّفه بخطابه وينزل عليه کلامه وهو، أي النّبيّ عليه السلام يخطب الإنسان رسالة عنه تعالى ويکلّم البشر نيابة عنه تعالى ويخبرهم عن أمره ونهيه. فيقرّر الله تعالى خطاب النّبيّ عليه السلام خطابه، وکلام النّبيّ عليه السلام کلامه، وإخبار النّبيّ عليه السلام إخباره، وبيان النّبيّ بيانه، وطاعة النّبيّ عليه السلام طاعته، ومعصيّة النّبيّ عليه السلام معصيته، وسنّة النّبيّ عليه السلام سبيله، واتّباع النّبيّ عليه السلام دليله، فأعلنت الملائکة بنفس الأمر کما روي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ’’فمن أطاع محمّدا فقد أطاع الله، ومن عصي محمّدا فقد عصي الله، ومحمّدٌ فرّق بين النّاس.‘‘ أخرجه البخاري.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، کما روي أبوهريرة رضي الله عنه: ’’من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصي الله.‘‘ متفق عليه. وقال الله تعالى: (اَلله اَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه) (الأنعام، 6: 124) هذه الآية دلّت علي أنّ الرّسالة نعمةٌ عظيمةٌ، ومنزلةٌ رفيعةٌ، ولا يعلم إلّا الله تعالى بمن يُکرمه بهذه المکانة وبمن يجعله محل الرّسالة، لأنّ قول الرّسول ليس کمثل قول أحد من البشر إنّما هو قول من عند الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوٰيo اِنْ هُوَ اِلَّا وَحْي يُّوْحٰيo) (النجم، 53: 3)

  • وَفِعْلُ الرَّسُوْلِ ليس کمثل فعل أحد من البشر إنّما هو فعل بإذن الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَمَارَمَيْتَ اِذْ رَمَيْتَ وَ لٰکِنَّ اللهَ رَمٰي) (الأنفال، 8: 17)

  • وَصِرَاطَ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل صراط أحد مّن البشر، إنّما هو صراط الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَهٰذَا صِرَاطُ رَبِّکَ مُسْتَقِيْمًا) (الأنعام، 6: 126)

  • وَرِضَا الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل رضا أحد مّن البشر إنّما هو رضا الله تعالى کما قال الله عزوجل: (اللهُ وَ رَسُوْلُه اَحَقُّ اَنْ يُّرْضُوْهُ اِنْ کَانُوْا مُؤْمِنِيْنَo) (التوبة، 9: 62)

  • وَعَطَاءُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل عطاء أحد مّن البشر إنّما هو عطاء الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَلَوْ اَنَّهُمْ رَضُوْا مَآ اٰتٰهُمُ اللهُ وَ رَسُوْلُه) (التوبة، 9: 59)

  • وَفَضْلُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل فضل أحد مّن البشر إنّما هو فضل الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَ قَالُوْا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِيْنَا الله مِنْ فَضْلِه وَ رَسُوْلُهلا اِنَّآ اِلَى اللهِ رَاغِبُوْنَo) (التوبة، 9: 59)

  • وَإِغْنَاءُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل إغناء أحد مّن البشر إنّما هو إغناء الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَمَا نَقَمُوْا اِلَّآ اَنْ اَغْنٰهُمُ اللهُ وَرَسُوْلُه مِنْ فَضْلِه) (التوبة، 9: 74)

  • وَإِنْعَامُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل إنعام أحد مّن البشر إنّما هو إنعام الله تعالى کما قال الله عزوجل: (اَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَاَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) (الأحزاب، 33: 37)

  • وَالْأَدَبُ مَعَ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل أدب أحد مّن البشر إنّما هو الأدب مع الله تعالى کما قال الله عزوجل: (ياَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا لاَ تُقَدِّمُوْا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَ رَسُوْلِه وَ اتَّقُوا اللهَ اِنَّ اللهَ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌo) (الحجرات، 49: 1)

  • وَتَعْظِيْمُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل تعظيم أحد مّن البشر إنّما هو تعظيم الله تعالى کما قال الله عزوجل: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًاO لِتُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًاO) (الفتح، 48: 8 - 9)

  • وَالْبَيْعَةُ عَلَي يَدِ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل بيعة أحد مّن البشر إنّما هي بيعة الله تعالى کما قال عزوجل: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح، 48: 10)

  • وَدُعَاءُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل دعاء أحد مّن البشر إنّما هو دعاء الله تعالى کما قال الله عزوجل: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا.) (النور، 24: 63) وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ.) (الأنفال، 8: 24)

  • وَمِلْکُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل ملک أحد مّن البشر إنّما هو ملک الله تعالى کما قال الله عزوجل: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ) (الأنفال، 8: 1)

  • وَإِطَاعَةُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل إطاعة أحد مّن البشر إنّما هي إطاعة الله تعالى کما قال الله عزوجل: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًاO) (النساء، 4: 80) وقوله: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُO) (النساء، 4: 13) وقوله: (ياَيُّهَا الَّذِيْنَ اٰمَنُوْآ اَطِيْعُوا اللهَ وَاَطِيْعُوا الرَّسُوْلَ وَلَا تُبْطِلُوْآ اَعْمَالَکُمْo) (محمد، 47: 33)

  • وَمَعْصِيَةُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل معصيّة أحد مّن البشر إنّما هي معصيّة الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌO) (النساء، 4: 14) وقوله: (إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًاO) (الجن، 72: 23)

  • وَمَشَاقَّةُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل مشاقّة أحد مّن البشر إنّما هي مشاقّة الله تعالى کما قال الله عزوجل: (ذَالِکَ بِاَنَّهُمْ شَآقُّوْا اللهَ وَرَسُوْلَه وَمَنْ يُّشَاقِقِ اللهَ وَرَسُوْلَه فَاِنَّ اللهَ شَدِيْدُ الْعِقَابِo) (الأنفال، 8: 13) وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِO) (الحشر، 59: 4)

  • وَبَرَائَةٌ مِنَ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل برائة أحد مّن البشر إنّما هي برائة الله تعالى کما قال الله عزوجل: (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَO) (التوبة، 9: 1)

  • وَأَذَانٌ مِنَ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل أذان أحد مّن البشر إنّما هي أذان من الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (التوبة، 9: 3)

  • وَأَذِيَةُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل أذيّة أحد من البشر إنّما هي أذيّة الله تعالى، کما قال الله عزوجل: (اِنَّ الَّذِيْنَ يُؤْذُوْنَ اللهَ وَرَسُوْلَه لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالْاٰخِرَةِ وَاَعَدَّلَهُمْ عَذَابًا مُّهِيْنًاo) (الأحزاب، 33: 57)

  • وَغَضُّ الْأَصْوَاتِ عِنْدَ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم تعظيماً له ليس کمثل إکرام أحد مّن البشر إنّما هي عبادة الله وتقوي القلوب کما قال الله عزوجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌO) (الحجرات، 49: 3)

  • وَمَحَبَّةُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل محبة أحد مّن البشر إنّما هي محبة الله تعالى کما قال الله عزوجل: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَO) (التوبة، 9: 24)

  • وَاتِّبَاعُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل اتّباع أحد مّن البشر إنّما هي محبة الله ومغفرة منه کما قال الله عزوجل: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌO) (آل عمران، 3: 31)

  • وَالدَّعْوَةُ إِلَي الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل الدعوة إلي أحد مّن البشر إنّما هي الدعوة إلي الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَاِذَا قِيْلَ لَهُمْ تَعَالَوْا اِلٰي مَا اَنْزَلَ اللهُ وَاِلَي الرَّسُوْلِ رَاَيْتَ الْمُنَافِقِيْنَ يَصُدُّوْنَ عَنْکَ صُدُوْدًاo) (النساء، 4: 61) وقوله: (إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (النور، 24: 51)

  • وَمُحَادَّةُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل محادّة أحد مّن البشر إنّما هي محادّة الله تعالى کما قال الله عزوجل: (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُO) (التوبة، 9: 63) وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الْأََذَلِّينَO) (المجادلة، 58: 20)

  • وَتَحْرِيْمُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل تحريم أحد مّن البشر إنّما هو تحريم الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَلَا يُحَرِّمُوْنَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُوْلُه) (التوبة، 9: 29)

  • وَقَضَاءُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل قضاء أحد مّن البشر إنّما هو قضاء الله تعالى کما قال الله عزوجل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب، 33: 36)

  • وَالْمُحَارَبَةُ مَعَ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وآله وسلم ليس کمثل المحاربة مع أحد مّن البشر إنّما هي المحاربة مع الله تعالى کما قال الله عزوجل: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌO) (المائدة، 5: 33)

ونقل القاضي أبوالفضل عياض اليحصبي في ’’الشفا‘‘ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه: ’’علم الله عجز خلقه من طاعته فعرّفهم ذالک، لکي يعلموا أنّهم لا ينالون العفو من خدمته، فأقام بينهم وبينه مخلوقاً من جنسهم في الصّورة، وألبسه من نعته الرأفة والرحمة وأخرجه إلي الخلق سفيرًا صادقًا وجعل طاعته، طاعته، وموافقته، موافقته فقال الله تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) (النساء، 4: 80) وقال الله تعالى: (وَمَا اَرْسَلْنٰکَ اِلَّا رَحْمَةً لِّلْعٰلَمِيْنَo) (الأنبياء، 21: 107)

وقال العلامة ابن تيمية في ’’الصارم المسلول‘‘: ’’وفي هذا وغيره بيان لتلازم الحقّين وأن جهة حرمة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم جهة واحد فمن آذي الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم فقد آذي الله عزوجل، ومن أطاعه فقد أطاع الله، لأنّ الأمّة لا يصلون ما بينهم وبين ربهم إلّا بواسطة الرّسول، ليس لأحدٍ منهم طريق غيره، ولا سبب سواه، وقد أقامه الله مقام نفسه في أمره ونهيه وإخباره وبيانه، فلا يجوز أن يفرّق بين الله ورسوله في شيء من هذه الأمور. وقال: فيبيّن ذالک أنّ الله تعالى جعل محبته و محبة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإرضاء الله و إرضا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا واحدًا وکذالک جعل شقاقه و شقاق رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومحادّته ومحادة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأذاه وأذي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومعصيته ومعصية رسوله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا واحدًا حتّي وحّد الضمير له ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع متعدّدةٍ وقال: (وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ) (التوبة، 9: 62) وقال: (وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ) (التوبة، 9: 74) فثبت أنّ في توحيد الضمير ﷲ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم حکمةٌ بالغةٌ وهي رفع التغاير في الحکم، فإذا رُفِعَ التغاير بينهما في الحکم تبيّن لنا الأمر بوحدة المصدرية والمرجعية في الأحکام کلها، وهذا کما صرّح به القاضي أبوالفضل عياض رحمه الله تعالى تقدير من الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم علي عظيم نعمه لديه وشريف منزلته عنده وکرامته عليه وتنويهه بجليل مکانه ورتبته ورفع شأنه بقِرَانِ ذکره مع ذکره واسمه مع اسمه وطاعته مع طاعته وأمره مع أمره حتي بجمع بينهما بواو العطف المشرّکة أو بالضمير الواحد ولا يجوز الجمع مثله في غير حقه صلى الله عليه وآله وسلم إنَّ الله تعالى ذَکَرَه صلى الله عليه وآله وسلم في کلامه (بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيْمِ) کما روي عن أبي العالية والحسن البصري وعبد الرحمٰن بن زيد، وذکره صلى الله عليه وآله وسلم في کلامه (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقٰي) کما رُوي عن أبي عبد الرحمٰن السُّلميّ، وذکره صلى الله عليه وآله وسلم في کلامه (بِنِعْمَةِ اللهِ) کما رُوي عن سهل بن عبد الله، وذکره في کلامه (بِمَثَلِ نُوْرِه)، کما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما وکعب الأحبار رضي الله عنه وسعيد بن جبير، وذکره صلى الله عليه وآله وسلم في کلامه (بِذِکْرِ اللهِ) کما رُوي عن مجاهد، وذکره صلى الله عليه وآله وسلم في کلامه (بِقَدَمِ صِدْقٍ) کما رُوي عن مجاهد والحسن البصري وزيد بن أسلم، حتي ذکره صلى الله عليه وآله وسلم بجملة أوصافٍ من العزّة والمِدحة والعظمة والرّفعة والکرامة والرّتبة وجعله صلى الله عليه وآله وسلم شاهدا علي أمّته لنفسه بالرّسالة وألبسه صلى الله عليه وآله وسلم من صفاته لأمتّه صلى الله عليه وآله وسلم بالطاعة.

لمّا بيّنا أنّ القرآن والسّنّة هما وحيان، فوجدنا في القرآن إيجاب السنّة، لأنّ کلام النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم کُلَّهُ وحيٌ، والوحي کلّ ما نطق به النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوٰيo اِنْ هُوَ اِلَّا وَحْي يُّوْحٰيo) لأنّ الله تعالى ما جعل لنا قدرةً وصفةً وسعةً أن نسمع کلامه إلّا بواسطة فم الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم ونعرف بيانه إلّا بواسطة نطق الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم ونفهم أمره إلّا بواسطة حکم الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم ونجعل طاعته إلّا بواسطة سنّة الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم.

لأنّه لم يتکلّم صلى الله عليه وآله وسلم بفمه عن هواه بل سمع کلام الله تعالى مميّزا فصحّ سماعه فحدّثه الله تعالى وأخبره ونبّأه وقال له وذکر له ما کان وما يکون بقوله تعالى: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًاO) (النساء، 4: 113) وقوله: (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيْثِ کِتَابًا مُّتَشَابِهًا) (الزمر، 39: 23)، وقوله: (وَهَلْ اَتٰکَ حَدِيْثُ مُوْسٰي) (طٰه، 20: 9)، وقوله: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىO) (الأعلي، 87: 6) وقوله: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَه وَ قُرْآنَهo فَاِذَا قَرَاْنٰهُ فَاتَّبِعْ قُرْاٰنَهo ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهo) (القيامة، 75: 17 - 19) وقوله: (قَالَ نَبَّاَنِيَ الْعَلِيْمُ الْخَبِيْرُo) (التحريم، 66: 3) وقوله: (وَاِنَّکَ لَتُلَقَّي الْقُرْاٰنَ مِنَ لَّدُنْ حَکِيْمٍ عَلِيْمٍo) (النّمل، 27: 6) وقوله: (وَمَا عَلَّمْنٰهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِيْ لَه اِنْ هُوَا اِلاَّ ذِکْرٌ وَّ قُرْاٰنٌ مُّبِيْنٌo) (يس، 36: 69) وقوله: (اِنَّا سَنُلْقِيْ عَلَيْکَ قَوْلًا ثَقِيْلًاo) (المزّمل، 73: 5) وقوله: (ذٰلِکَ نَتْلُوْهُ عَلَيْکَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّکْرِ الْحَکِيْمِo) (آل عمران، 3: 85) وقوله: (وَاَنَا اخْتَرْتُکَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوْحٰي) (طٰه، 20: 13)

وأمر الله تعالى أمّته صلى الله عليه وآله وسلم بالسّماع عنه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا) (البقرة، 2: 104) وقوله: (رَبَّنَآ اِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُّنَادِيْ لِلْاِيْمَانِ اَنْ اٰمِنُوْا بِرَبِّکُمْ فَاٰمَنَّا) (آل عمران، 3: 193)، وقوله: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (الزمر، 39: 18)، فتحمّل خطابه من رؤيةٍ باعتمادٍ واثقٍ وبفهمٍ کاملٍ وادّاه (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىO ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىO) (النجم، 53: 5 - 6) ثم قرأ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قرأ وعرض علي الله تعالى ما عرض طلبًا وتعلّمًا وتحدّثًا وتفهمًا للتوثيق والتصديق بقوله تعالى: (اِقْرَاْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِيْ خَلَقَo خَلَقَ الْاِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ) (العلق، 96: 1 - 2) وقوله: (اِقْرَاْ وَرَبُّکَ الْاَکْرَمُo الَّذِيْ عَلَّمَ بِالْقَلَمِo عَلَّمَ الْاِنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمo) (العلق، 96: 3 - 5) وقوله: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَکَ وَ بَيْنَ الَّذِيْنَ لَايُؤْمِنُوْنَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُوْرًاo) (الإسراء، 17: 45) وقوله: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًاO) (الإسراء، 17: 78) وقوله: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيْلاً) (المزمل، 73: 4)

فأجازه إجازةً خاصّةً وعامّةً ليأذن لأمّته صلى الله عليه وآله وسلم إذناً خاصّا لخاصٍ وإذناً خاصاً لعامٍ وإِذناً عامّاً لعامٍ وإذناً معيّناً لغير معيّنٍ وإذنًا غيرَ معيّن لجميع المسلمين والموجودين من الشاهدين والغائبين بقوله تعالى: (أَنْزَلْنٰهُ إِلَيْکَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمٰتِ إِلَي النُّوْرِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) (إبراهيم، 14: 1) وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًاO وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًاO) (الأحزاب، 33: 45 - 46) وقوله: (وَمَآ اَرْسَلْنَا مِنْ رَّسُوْلٍ اِلَّا لِيُطَاعَ بِاِذْنِ اللهِ) (النساء، 4: 64) وقوله: (وَاَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ) (الضحي، 93: 11) وقوله: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌO) (الغاشية، 88: 21) وقوله: (فَذَکِّرْ بِالْقُرْاٰنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيْدِo) (ق، 50: 45) وقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ) (النساء، 4: 105) وقوله: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًاO وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاًO) (الإسراء، 17: 105 - 106) وهٰکذا إذناً للأطفال بقوله: (وَ اٰتَيْنٰهُ الْحُکْمَ صَبِيًا) (مريم، 19: 12) وإذناً للمعدومين الّذين وُلِدُوا بعده صلى الله عليه وآله وسلم ويُولدون في آخر أمّته صلى الله عليه وآله وسلم وآخر زمانه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍO وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُO) (الجمعة، 62: 2 - 3)

وروي أبوهريرة رضي الله عنه قال: ’’کنّا جلوسا عند النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة: (وَاٰخَرِيْنَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوْا بِهِمْ) (الجمعة، 62: 3) قال: قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتي سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده علي سلمان، ثم قال: لو کان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هولاء.‘‘ متفق عليه وهذا لفظ البخاري.

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’لو کان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس أو قال: من أبناء فارس، حتي يتناوله.‘‘ رواه مسلم. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’لو کان الدِّين عند الثريا لذهب رجل من فارس أو أبناء فارس حتي يتناوله.‘‘ رواه أحمد. وعنه رضي الله عنه: ’’يوشک أن يضرب الناس (الرجل) أکباد الإبل يطلبون العلم.‘‘ وفي رواية: ’’يخرج الناس من المشرق والمغرب، فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة.‘‘ رواه الترمذي والنسائي والحاکمُ.

وعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’لا تسبوا قريشاً، فإنّ عالمها يملأ طباق الأرض علمًا.‘‘ وفي رواية: ’’اللّهم اهد قريشًا.‘‘ رواه الطيالسي وابن أبي عاصم والخطيب. وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النّبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ’’لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتي يأتيهم أمر الله وهم علي ذلک.‘‘ متفق عليه وهذا لفظ البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’والّذي نفس محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بيده، ليأتينّ علي أحدکم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم.‘‘ متفق عليه وهذا لفظ مسلم. وعن أنس بن مالک رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’وددتُ أني لقيت إخواني، قال: فقال أصحاب النّبي صلى الله عليه وآله وسلم: أو ليس نحن إخوانک؟ قال: أنتم أصحابي، ولکن إخواني الذين أمنوا بي ولم يروني.‘‘ رواه أحمد. وعن أبي أمامة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ’’طوبي لمن رآني وآمن بي وطوبي سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي.‘‘ رواه أحمد وابن حبّان. وعن أبي جمعة رضي الله عنه قال: ’’تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعنا أبوعبيدة بن الجراح رضي الله عنه، قال: قال: يا رسول الله، هل أحد خير منّا؟ أسلمنا معک، وجاهدنا معک، قال: نعم، قوم يکونون من بعدکم يؤمنون بي ولم يروني.‘‘ رواه أحمد والدارمي والطبراني وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وعن عبد الرّحمن بن العلاء الحضرميّ رضي الله عنه قال: حدثني من سمع النّبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ’’إنّه سيکون في آخر هذه الأمّة قوم لهم مثل أجر أولهم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنکر، ويقاتلون أهل الفتن.‘‘ رواه البيهقي في الدلائل والسيوطي في المفتاح.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ’’مِن أشدّ أمّتي لي حبًّا، ناس يکونون بعدي، يودّ أحدهم لو رآني، بأهله وماله.‘‘ رواه مسلم وأحمد.

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’إنّ أناسًا من أمّتي يأتون بعدي يودّ أحدهم لو اشتري رؤيتي بأهله وماله.‘‘ رواه الحاکم. وقال الحاکم: هذا حديث صحيح الإسناد. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’مثل أمّتي مثل المطر، لا يُدري أوّله خير أم آخره.‘‘ رواه الترمذي وحسّنه وأحمد والبزار وإسناده أحسن.

فَأَخْبَرَ الْعِبَادَ بِهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ جَمِيْعِ الْوَسَائِطِ وَالْوَسَائِلِ لِلإِيْصَالِ وَالإِعْطَاءِ وَالتَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ مِنَ الْمُنَاوَلَةِ وَالْمُکَاتَبَةِ وَالإِعْلَامِ وَالْوَصِيَةِ وَالْوِجَادَةِ. فأمّا المناولة مع الإجازة فلها إشارة في قوله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّاO) (مريم، 19: 12) وقوله: (وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَO وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَO وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَO) (التوبة، 9: 120 - 122)

فيشير الحديث النبويّ صلى الله عليه وآله وسلم في المناولة مع الإجازة الّذي روي ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’کان الدِّين معلّقًا بالثريّا لتناوله ناس من أبناء فارس.‘‘ رواه الطبراني وابن أبي شيبة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’لو کان العلم بالثريا لتناوله ناس من أهل (أبناء) فارس.‘‘ رواه أحمد وابن حبان. وقال الهيثمي: رواه أبويعلي والبزار والطبراني ورجالهم رجال الصحيح.

وعنه رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ’’ويل للعرب من شرٍ قد اقترب، أفلح من کفّ يده، تقرّبوا يابني فرّوخ إلي الله، فإنّ العرب قد أعرضت، ووالله إنّ منکم لرجالاً لو کان العلم بالثريا لنالوه.‘‘ رواه الطحاوي. وعنه رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ’’اقتربوا يا بني فرُّوخ إلي الذِّکر، والله، إنّ منکم لرجالاً لو أنّ العلم کان معلقًا بالثّريّا لتناولوه.‘‘ رواه البيهقي. وعنه رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ’’ادنوا يا معشر الموالي، إلي الذکر، فإن العرب قد أعرضت وإن الإيمان لو کان معلقًا بالعرش کان منکم من يطلبه.‘‘ رواه أبونعيم في تاريخه.

والمناولة من غير الإجازة: بقوله تعالى: (أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ) (الأعراف، 7: 37) وسنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم المناولة لأمته حينما کتب لأمير السرية کتابًا وقال: لا تقرأه حتي تبلغ مکان کذا وکذا فلما بلغ ذالک المکان قرأه علي الناس وأخبرهم بأمر النّبي صلى الله عليه وآله وسلم. رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي اﷲ عنهما.

فعلمه الله تعالى بالمکاتبة بقوله تعالىٰ: (ذٰلِکَ الْکِتَابُ لَا رَيْبَ فِيْهِ هُدًي لِّلْمُتَّقِيْنَo) (البقرة، 2: 3) وقوله: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌO) (المجادلة، 58: 21)، وقوله: (وَکَتَبْنَا لَه في الْاَلْوَاحِ مِنْ کُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً) (الأعراف، 7: 21)، وقوله: (وَلْيَکْتُبْ بَيْنَکُمْ کَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَاْبَ کَاتِبٌ اَنْ يَکْتُبَ کَمَا عَلَّمَهُ اللهُo) (البقرة، 2: 282)، وقوله: (اِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ اِلٰي اَجَلٍ مُّسَمًّي فَاکْتُبُوْهُ) (البقرة، 2: 282)، وقوله: (فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ) (الإسراء، 17: 71) وقوله: (اِذْهَبْ بِّکِتٰبِيْ هٰذَا فَاَلْقِهْ اِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُوْنَo) (النمل، 27: 28)

وسنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المکاتبة لأمّته حينما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ’’اکتبوا لأبي شاه.‘‘ رواه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة. وأمر صلى الله عليه وآله وسلم لرجل من الأنصار الّذي کان يسمع من النّبي صلى الله عليه وآله وسلم الحديث فيعجبه ولا يحفظه فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’استعن بيمينک وأومأ بيده الخط.‘‘ رواه الترمذي عن أبي هريرة وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلت: ’’يا رسول الله! إنّي أسمع منک الشيء أفأکتبه؟ قال: نعم. قال: وفي الغضب والرّضا؟ قال: نعم. فإنّي لا أقول فيهما إلا حقّاً.‘‘ رواه أبوداود والحاکم وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ’’ليس أحدٌ من أصحاب النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أکثر حديثًا عنه منّي إلا ما کان من عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فإنه کان يکتب ولا أکتب.‘‘ رواه البخاري وعن أنسٍ رضي الله عنه موقوفاً: ’’قيّدوا العلم بالکتاب.‘‘ رواه الحاکم وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّا نسمع منک أشياء أفأکتبها؟ قال: ’’اکتبوا ذالک ولا حرج.‘‘ أسند الرامهرمزي بسنده في المحدث الفاضل وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بکتابه إلي کسري مع عبد الله بن حذافة رضي الله عنه السّهمي فأمره أن يدفعه إلي عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلي کسري. رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال أبوسفيان: کتب النّبي صلى الله عليه وآله وسلم إلي هرقل: ’’تعالوا إلي کلمةٍ سوآءٍ بيننا وبينکم.‘‘ رواه البخاري. وکان النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يکتب إلي ولاته وقضاته وعماله بالأحکام ومن ذالک رسالته إلي قيصر الروم، وإلي أمير بصري، وإلي الحارث بن أبي شمر أمير دمشق من قبل هرقل، وإلي المقوقس أمير مصر من قبل هرقل، يدعوهم إلي الإسلام کما وجّه کتبه إلي النّجاشي ملک الحبشة وإلي کسري ملک الفارس وإلي المنذر بن ساوي ملک البحرين وأرسل کتبه ورسله إلي اليمن وعمان واليمامة وغيرها من الملوک والأمراء ورؤساء القبائل ليبيّن لهم الإسلام ويدعوهم إليه.

فعلمه الله تعالى بالإعلام بقوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْO) (محمد، 47: 19)، وقوله: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) (القصص، 28: 50)، وقوله: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَO) (البقرة، 2: 203)، وقوله: (مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا) (هود، 11: 49)، وقوله: (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَاَه بَعْدَ حِيْنٍo) (ص، 38: 88)، وقوله: (وَيُعَلِّمُهُ الْکِتٰبَ وَالْحِکْمَةَ وَالتَّوْرٰتهَ وَالْاِنْجِيْلَ) (آل عمران، 3: 48)، وقوله: (اٰتَيْنٰهُ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا وَ عَلَّمْنٰهُ مِنْ لَّدُنَّا عِلْمًاo) (الکهف، 18: 65) وقوله: (قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُO) (تحريم، 66: 3) وقوله: (قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ) (التوبة، 9: 94)

وعلمه الله تعالى بالوصيّة بقوله: (شَرَعَ لَکُمْ مِّنَ الدِّيْنِ مَا وَصّٰي بِهِ نُوْحًا وَّالَّذِي اَوْحَيْنَآ اِلَيْکَ) (الشورى، 42: 13) وقوله: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِيْنَ اُوْتُوا الْکِتٰبَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَاِيَاکُمْ اَنِ اتَّقُوْا اللهَ) (النساء، 4: 131) وقوله: (وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى، 42: 13) فأمّا الوصية حين يحضر الموت فجعل إشارتها في قوله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَO أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَO) (البقرة، 2: 132 - 133) وقوله: (کُتِبَ عَلَيْکُمْ اِذَا حَضَرَ اَحَدَکُمُ الْمَوْتُ اِنْ تَرَکَ خَيْرَا نِالْوَصِيَةُ) (البقرة، 2: 180) وقوله: (شَهَادَةُ بَيْنِکُمْ اِذَا حَضَرَ اَحَدَکُمُ الْمَوْتُ حِيْنَ الْوَصِيَةِ اثْنٰنِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْکُمْ) (المائدة، 5: 106)

وسنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الوصيّة لأمّته صلى الله عليه وآله وسلم لتحمّل حديثه صلى الله عليه وآله وسلم وأدائه حينما وصّي لمعاذ بن جبل رضي الله عنه ولأبي موسي الأشعري رضي الله عنه عندما وجّههما إلي اليمن فقال عليه الصلاة والسلام: ’’يسِّرا ولا تعسِّرا وبشِّرا ولا تنفِّرا.‘‘ رواه البخاري. کان ذالک في السّنة التاسعة للهجرة. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ رضي الله عنه: ’’إنّک ستأتي قوما من أهل کتاب، فادْعهم إلي شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذالک فاعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوٰت في کلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذالک، فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترُدّ في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذالک، فإيّاک وکرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.‘‘ رواه مسلم. وأقبلت وفود العرب من سائر أطراف الجزيرة يبايعون الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد فتح مکة وحجّة الوداع وکانت بعض الوفود تقيم عنده صلى الله عليه وآله وسلم أيامًا وکان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجعل لهم الوصيّة والنّصيحة ثم تعود إلي قبائلها تبلّغهم وصيّة النّبي المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم وتعليمات الدين المجتبي. ومن هذه الوفود کان وفد ضمام بن ثعلبة، ووفد عبد القيس ووفود بني حنيفة وطيء وکِندة، ووفد رسول ملوک حمير فبعث إليهم النّبي صلى الله عليه وآله وسلم کتابًا يخبرهم عن الإسلام ويحثّهم علي طاعة الله والرّسول والتّمسک بدِينه وفيه وصيّته صلى الله عليه وآله وسلم لهم برسله وبعوثه ويوصيهم الخير في الرعية وقدمت وفود همدان ووفود ثعلبة وبني سعد وغيرها کثيرة ووصّي بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولاً وکتابة.

وأکرمه الله تعالىٰ بالوِجَادَةِ بقوله: (اَلَّذِيْنَ يَتَّبِعُوْنَ الرَّسُوْلَ النَّبِيَ الْاُمِّيَ الَّذِيْ يَجِدُوْنَه مَکْتُوْبًا عِنْدَهُمْ في التَّوْرٰةِ وَ الْاِنْجِيْلِ) (الأعراف، 7: 157) وقوله: (مَا تُقَدِّمُوْا لِاَنْفُسِکُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوْهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَاَعْظَمَ اَجْرًاo) (المزمل، 73: 20) وقوله: (لَعَلِّيْ اٰتِيْکُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ اَوْ اَجِدُ عَلَي النَّارِ هُدًي) (طٰه، 20: 10) وقوله: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًاO) (الکهف، 18: 49) وقوله: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا) (الأنعام، 6: 145) وقوله: (وَجَدَهَا تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَّوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا) (الکهف، 18: 86) وقوله: (اِنِّيْ وَجَدْتُّ امْرَاَةً تَمْلِکُهُمْ وَاُوْتِيَتْ مِنْ کُلِّ شَيْءٍ) (النمل، 27: 23)

وسنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم الوجادة لأمّته حينما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ’’أَيُّ الخلق أعجب إليکم إيمانًا؟ قالوا: الم.لائکة. قال: ومالهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ قالوا: فالنّبيّون. قال: وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم، قالوا: فنحن. قال: ومالکم لا تؤمنون وأنا بين أظهرکم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ أعجب الخلق إليّ إيمانًا لقوم يکونون من بعدي يجدون صحفًا فيها کتاب يؤمنون بما فيها.‘‘ رواه عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه أحمد والحاکم والبزّار والطبّراني. وفي رواية: ’’أولئک أعظم أجرًا منکم.‘‘ وفي رواية: ’’فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا.‘‘

وشرّفه بأعلي الطّرق حين عرج به صلى الله عليه وآله وسلم من المکان النّازل إلي المقام العالي حتّي ظهر لمستوي يسمع فيه صرير الأقلام. رواه البخاري ومسلم من طريق ابن شهاب الزّهري عن ابن عباس رضي الله عنهما. ورفعه إليه حتّي راٰه وفاز من اللّقاء والسّماع بالأماني والأمالي فرجع محدثًا لأمته بما أخذه في رحلته عن العليم الخبير في العاجل والآجل وجعل الله أخبار إسرآئه ومعراجه صلى الله عليه وآله وسلم متواترة مشهورة وآثار دنوّه ودلوه عزيزة مستفيضة وأحوال لقائه ورؤيته غريبة وحيدة لأنه تعالى دنا وقَرُب من حبيبه الأولي صلى الله عليه وآله وسلم فتدلّي علي المقام الأجلي وزاد في قرب الإبانة والکرام لعظيم منزلته ولتشريف رتبته وإشراق أنوار معرفته ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته من الله تعالى له مبرّة وتأنيسًا وبسطًا وإکرامًا وفضلًا وإنعامًا: (فَکَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنٰي) (النجم، 53: 9) حتّي فارقه جبريل وانقطعت عنه الأصوات وسمع کلام ربّه عزوجل وهو يقول: ’’ليهدأ روعک يا محمد، اُدْنُ، اُدْنُ.‘‘ رواه ابن أبي حاتم وابن جرير. وعن أنس رضي الله عنه: ’’ودنا الجبّار ربّ العزّة فتدلّي حتّي کان منه قاب قوسين أو أدني.‘‘ رواه البخاري في الصحيح من طريق مسلم بن إبراهيم عن هشام عن قتادة عن أنس. ومکّنه صلى الله عليه وآله وسلم من المقام الأعلي، حيث انعدم هناک الحال والمقام، ولم تبق هناک النفوس والقلوب والعقول والأوهام، وفنيت جميع الظّلم والأنوار وذهب الفوق والتحت، والجنة والنار، وعدم کل قاب ورفرف، ولم يبق جناح ولا ملک أشرف، واتحد هناک السؤال والجواب، وزال المکتوب والکتاب، والحضور والغياب، وصار المجيب هو المجاب: (فَأَوْحٰي اِلٰي عَبْدِه مَا أَوْحٰي) (النجم، 53: 10) فکلّم الربّ عبده صلى الله عليه وآله وسلم بلا واسطة حين شرّفه بروئيته بلاحجاب کما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) (الشورى، 42: 51)

ذکر عزوجل ثلاثة أقسامٍ من کلامه، فالأوّل: من وراء حجاب، هٰذا کتکليم موسي، والثاني: بإرسال الملائکة رسلا، هذا کحال جميع الأنبياء وأکثر أحوال نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم. والثالث: قوله: وحيًا فلم يبق من صور الکلام إلّا المشافهة مع المشاهدة فهذا کحال النّبي المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء والمعراج کما روي ابن عبّاس رضي الله عنهما: ’’إنّه صلى الله عليه وآله وسلم رآه بعينه.‘‘ أخرجه أحمد بإسنادٍ صحيحٍ. وأيّده تفسير الآية: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ) (الإسراء، 17: 60) الّذي أخرجه البخاري في الصحيح عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: ’’هي رؤيا عين اُرِيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة أسري به.‘‘ ورُوي ذالک عنه من طرقٍ وقال: ’’إنّ الله تعالى اختصّ موسي بالکلام وإبراهيم بالخلّة ومحمّدًا صلى الله عليه وآله وسلم بالرّؤية.‘‘ أخرجه النّسائي وابن أبي عاصم في السّنّة وابن خزيمة في التّوحيد والطبراني في الأوسط وصحّحه الحاکم ووافقه الذّهبي.

وروي الترمذي عن الشعبي قال لقي ابن عباس رضي الله عنهما کعباً بعرفة فسأله عن شيءٍ فکبّر حتي جاوبته الجبال فقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: إنّا بنو هاشم، فقال کعبٌ رضي الله عنه: ’’إنّ الله قسّم رؤيته وکلامه بين محمّد وموسي، فکلّم موسي مرّتين ورآه محمّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم مرّتين.‘‘ وروي الترمذي عن عکرمة عن ابن عبّاس رضي الله عنهما بإسناد حسن، قال: ’’رأي محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ربّه، قلت: أليس الله يقول: (لَا تُدْرِکُهُ الْاَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِکُ الْاَبْصَارَ) (الأنعام، 6: 103) قال: ويحک! ذاک إذا تجلّي بنوره الّذي هو نوره، وقد رأي محمّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ربّه مرّتين.‘‘ وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: ’’قد رآه النّبي صلى الله عليه وآله وسلم.‘‘ وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ. وروي في قوله: (مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَيo) (النجم، 53: 11) قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: ’’راٰه بقلبهِ.‘‘ وقال الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ. وروي أيضاً عنه رضي الله عنه في قول الله: (وَلَقَدْ رَاٰهُ نَزْلَةً اُخْرٰيo عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهٰيo) (النجم، 53: 13 - 14)

وروي مسلم عن عبد الله بن شفيق رضي الله عنه قال: قلت لأبي ذرٍ رضي الله عنه: ’’لو رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسألته، فقال: عن أيّ شيءٍ کنت تسأله؟ قال: کنتُ أسأله هل رأيتَ ربّک؟ فقال أبو ذرٍ رضي الله عنه: قد سألته فقال: رأيتُ نورا.‘‘ وروي الترمذي ولفظه: ’’نورٌ أنّي أراه.‘‘ وقال: هذا حديثٌ حسنٌ، وروي أحمد في المسند قال: حدثّنا عفّان حدّثنا همّام حدّثنا قتادة عن عبد الله بن شقيق رضي الله عنه قال: قلت لأبي ذرّ رضي الله عنه: ’’لو رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسألته قال: وماکنتَ تسأله قال: کنت أسأله هل رأي ربّه عزوجل قال: فإني قد سألته فقال: قد رأيته نورًا أنّي أراه. قال عفّان: بلغني عن ابن هشام يعني معاذًا أنه رواه عن أبيه کما قال همّام: قد رأيته.‘‘

وروي أحمد أيضًا في المسند قال: حدّثنا وکيع وبَهْزٌ قالا: حدّثنا يزيد بن إبراهيم، عن قتادة قال بهز: حدّثنا قتادة. عن عبد الله بن شقيق رضي الله عنه قال: قلت لأبي ذرّ رضي الله عنه: ’’لو أدرکتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألته قال: عن أي شيء قلت: هل رأيتَ ربّک فقال: قد سألته فقال: ’’نورٌ أنّي أراه يعني علي طريق الإيجاب.‘‘

وأخرج مسلم في الصحيح عن عطاء التّابعي رضي الله عنه مثله، وعن أبي العالية التابعي رضي الله عنه وقال: ’’رآه بفؤاده مرّتين.‘‘ روي ابن أبي حاتم عن محمّد بن کعب القرظي وربيع بن أنس رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم سُئل هل رأيتَ ربّک؟ قال: ’’رأيته بفؤادي.‘‘ وروي عبد الرزاق رضي الله عنه عن الحسن البصري التابعي رضي الله عنه ’’أنّه کان يحلف بالله لقد رأي محمّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ربّه.‘‘ وروي ابن إسحاق رضي الله عنه عن مروان بن الحکم أنّه سأل أبا هريرة رضي الله عنه: ’’هل رأي محمّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم ربّه؟ فقال: نعم.‘‘ وحکي النّقاش عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنّه قال: ’’أنا أقول بحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما بعينه رآه حتيّ انقطع نفسه يعني نفس أحمد.‘‘ وروي أبو عمر أحمد بن حنبل رضي الله عنه مثله وروي عبد الله بن أحمد بن حنبل رضي الله عنه عن أبيه مثله. قال مثله معاذ بن جبل رضي الله عنه وابن عمر وعکرمة التابعي والإمام جعفر بن محمّد الصادق رضي الله عنهم وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه وجماعة من أصحابه: ’’أنّه رأي الله تعالى ببصره وعيني رأسه وهکذا بقلبه وبفؤاده.‘‘

ففهم من وحيه صريح المعني (مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَاٰي) (النجم، 53: 11) من حقائق القرب والوصل بين العبدية والأحدية، والفصل بين الحدثية والقَدمية، (وَلَقَدْ رَاٰهُ نَزْلَةً اُخْرٰيo) (النجم، 53: 13) وما شغلته ملاحظة الملأ الأعلي، (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهٰيo) (النجم، 53: 14) حيث تجتمع البداية والانتها ويکون الأزل والوقت والأبد سواء، (عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَاْوٰيo) (النجم، 53: 15) مستقر الواصلين الأحياء إذ شاهدوا جنة الذات وأنهار الصفات عن الوري، (اِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشٰيo) (النجم، 53: 16) من طرف الأسرار والأنوار في العلي، (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغٰيo) (النجم، 53: 17) وکيف يزيغ من القدم إلي العدم الذي لا يُري.

إنّ الله أمرنا أن نحمد علي مُرسَل آلائه ومرفوعها، ونشکر علي مسلسل نعمائه وموصولها، بصحيح الحديث، وحسن الخبر، وقوي الأثر ما بين مؤتلف الفضل ومتّفقه ومختلف العدل ومفترقه، وشرّفه بأقوي سندٍ يتّصل به لأنّه هو الطّريق الموصلة إلي الغاية وهو الّذي يلجأ إليه ويُستند به ويُعتمد عليه وأنعمه بأعلي متن يُهتدي به لأنّه يخبر عن قول النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله ووصف النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقريره ويراد بها السنن عند أهل الفن وأُرسل إلي الخلق کافة بشيرًا ونذيرًا، وأزال عنهم بصحة التوحيد عِلَل الشّرک والفسق والکذب والضلال، وشرح الدين الصحيح بعُلّو العدالة وتمام الضبط في کل مقالٍ، وحفظه عن الشذوذ في کل مجالٍ وبلّغه بالسّلامة عن العلّة والطعن وسوء الحال، وشرّف سندنا من أوله إلي منتهاه بالاتّصال ومن أطاعه صلى الله عليه وآله وسلم فقد أطاع الله، ومن عصاه صلى الله عليه وآله وسلم فقد عصي الله، لأنّه صلى الله عليه وآله وسلم فرّق بين الحقّ والباطل، والمقبول والمردود، وقسّم الأعمال والأحوال بين الصحيح والحسن والضعيف، وجعل الله ذکره صلى الله عليه وآله وسلم مَرْفُوْعًا له وحُبّه صلى الله عليه وآله وسلم مُسنَدًا إليه، وحکمه صلى الله عليه وآله وسلم مُتّصلا به، وجعل قبول العمل مَوْقُوْفًا علي اتّباعه صلى الله عليه وآله وسلم ، وقرّر کمال الإيمان مَقْطُوْعًا إلي ما جاء به صلى الله عليه وآله وسلم غير کونه منقطعًا ولا مُعْضلاً لا مُرسلًا، ومن قطع اتّصاله به صلى الله عليه وآله وسلم أو إسناده إليه صلى الله عليه وآله وسلم صار مُعَلَّقًا، ومَنْ بدّل هديه صلى الله عليه وآله وسلم صار مَقْلُوْبًا، ومن اختلف علي الأوجه والتفرفة بغير الترجيح والجمع صار مُضْطَرِبًا، ومن دخلت علّةٌ قادحةٌ في صحة باطنه مع سلامة ظاهره صار مُعَلَّلًا، ومن تبع ثقةً وخالف من کان أوثق منه بغير الجمع صار شَاذًا، ومن خلط ظلام الترک والخفاء بنور الذکر والجلاء صار مُدَلِّسًا، ومن أخذ عن مُرشده إلي الطريق ولم يسمّ صار مُبْهَمًا، ومن أدخل علي کلامه من کلام الغير کلمةً زائدةً صار مُدْرِجًا ومن أخذ عن مَثِيْله وقرينه الّذي تساوي به في السِّنِ والسند صار مُدَبَّجًا، ومن سقط بسبب الضّعف وانحطّ في بُؤرة الوضع صار مَطْرُوْحًا، ومن غيّر الحديث إعرابًا أو حروفا صار مُحَرِّفًا، ومن حوّل الکلمة شَکْلًا بتغيير النقط صار مُصَحِّفًا، ومن أطاع واحدًا متّهمًا بالکذب صار مَتْرُوْکًا، ولو خالف الضعيف معروفًا الّذي هو أولي وأوثق منه صار مُنْکِرًا ومن صنع واختلق وکذب وافتري عليه صار وَضَّاعًا، فهو شرّ الضعاف خطرًا وأشدّها ضررًا.

فاعلموا أنّ الله تعالى قسّم الأمّة المحمّدية الّتي أورثها الکتاب واصطفاها إلي ثلاثة أصنافٍ: فمنهم نَاقِصٌ، ومنهم مُتَوَسِّطٌ، ومنهم کَامِلٌ، فالناق رضي الله عنه: هو ظالمٌ لنفسه، والمتوسط: هو مقتصدٌ، والکامل: هو سابقٌ بالخيرات وقال الله في کتابه: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُO جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌO وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌO الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌO) (فاطر، 35: 32 - 35) فالظالم لنفسه هو الضعيف، والمقتصد هو الحسن، والسابق بالخيرات هو الصحيح. وکلٌ واحدٍ مِن هؤلاء الثلاثة ورث الکتاب، ودخل في العباد المُصْطفَين واستحقّ نعمة القبول للجنّة، ويعطي مِن أساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ولؤلؤ وحَرِيْرٍ، کما ورد عن الرؤوف الرحيم العليم الخبير. وهذه الثلاثة تمثّل الدرجات الثلاث المذکورة في حديث جبريل عليه السلام: الإسلام والإيمان والإحسان.

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَي عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّي جَلَسَ إِلَي النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فَأَسْنَدَ رُکْبَتَيْهِ إِلَي رُکْبَتَيْهِ، وَ وَضَعَ کَفَّيْهِ عَلَي فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللهِ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّکَاةَ، وَ تَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيْلاً. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيْمَانِ. قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَاءِکَتِهِ، وَکُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ کَأَنَّکَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تکُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاکَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ قَالَ: مَا الْمَسْئُوْلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا؟ قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَي الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي الْبُنْيَانِ. ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلتُ: اَلله وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاکُمْ يُعَلِّمُکُمْ دِيْنَکُمْ متفق عليه وهذا لفظ مسلم.

وقال الله تعالىٰ عن الإسلام: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيْمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌO) (الحجرات، 49: 14) فميّز الله تعالى المسلمين من المنافقين تمييزًا صريحًا بقوله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًاO إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًاO) (النساء، 4: 145 - 146) فإن الناس قبل الهجرة لم يکونوا إلا مؤمنًا أو کافرًا، فلم يکن هناک منافقٌ، فإنّ المسلمين کانوا مستضعفين، فکان من آمن، آمن باطنًا وظاهرًا، ومن لم يؤمن کان کافرًا، فبعد الهجرة إلي المدينة صار للمسلمين عزٌّ ونصرٌ وعلوٌّ وولايةٌ فدخل کثير من أهلها في الإسلام موافقة، أو رغبة ورهبة، فمن دخل في الإسلام موافقة ومتابعة کان مسلمًا ومن دخل في الإسلام ظاهرًا متربصًا وهو في الباطن کافرٌ کان منافقاً، ومن دخل في الإسلام مطمئناً مخلصاً متيقناً کان مؤمناً.

فجعل للمنافقين الدرک الأسفل فهي درجة مردودة. هذا مثل الإسناد الموضوع، فوصف المسلمين بالتوبة والإصلاح والاعتصام، والإخلاص وأخرجهم من الدرک الأسفل المردود. هذا مثل الإسناد الضعيف، وشرّفهم بمعيّة المؤمنين الذين لهم أجرٌ عظيمٌ، وتنزل عليهم السّکينة: (لِيَزْدَادُوْا إِيْمَانًا مَّعَ إِيْمَانِهِمْ) (الفتح، 48: 4) ويمشون معهم (نُوْرُهُمْ، يَسْعٰي بَيْنَ أَيْدِيْهِمْ وَ بِأَيْمَانِهِمْ) (التحريم، 66: 8) لن يستطيع المنافقون أن يقتبسوا من نورهم بل يقال لهم: (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُO) (الحديد، 57: 12) فإنّ المنافقين مثلهم مثل الإسناد الموضوع المردود، له الدرک الأسفل، وليس له القبول قطعاً، هذا الّذي لبث في النّار أحقابًا لا يذوق فيها بردًا ولا شرابًا إسمه مرقوم في کتٰبِ الفجّار لفي سِجّين فويلٌ للکاذبين الوضّاعين المکذّبين والمسلمون مثلهم مثل الإسناد الضعيف، الذي تعطي له المغفرة والقبول في الطّرف الأدني، وليس له الدخول في مساکن الفردوس الأعلي، فإنه يأکل من فواکه الجنّة وجعل الله شربه شراباً طهورًا، ولم يکن قبل الشفاعة شيئا مذکورًا: (فَوَقٰهَمُ اللهُ شَرَّ ذَالِکَ الْيَوْمِ وَلَقّٰهُمْ نَضْرَةً وَّسُرُوْرًاo) (الدهر، 76: 11) المؤمنون مثلهم مثل الإسناد الحسن. هو من (إِنَّ الْاَبْرَارَ يَشْرَبُوْنَ مِنْ کَاْسٍ کَانَ مِزَاجُهَا کَافُوْرًاo عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُوْنَهَا تَفْجِيْرًاo) (الدهر، 76: 5 - 6) وهذا الذي اقتبس الحُسْنَ من غيره، والذين صاروا من الحسن لذاته فإنهم: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًاO عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًاO وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًاO) (الدهر، 76: 17 - 19) فلا بُدّ للمسلمين أن ينتفعوا من معية الصالحين ودعواتهم واستغفارهم وشفاعتهم کما قال الله تعالىٰ: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِO رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُO وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُO) (المؤمن، 40: 7 - 9) وقال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَO) (الحجرات، 49: 15) وقال: (اُولٰئِکَ کَتَبَ فِيْ قُلُوْبِهِمُ الِايْمَانَ وَاَيَدَهُمْ بِرُوْحٍ مِّنْهُ) (المجادله، 58: 22) فالمؤمن صادقٌ مصدوقٌ مؤيِدٌ ومؤيَدٌ فيزيد الله إيمانه بأعماله الصّالحة ويزيد إيمان عامّة المسلمين ويؤيّدهم ببرکاته المؤثِرة الشائعة. کما قال الله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَO) (التوبة، 9: 124) وقال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّکِينَةَ فِي قُلُوْبِ الْمُؤْمِنِيْنَ لِيَزْدَادُوْا إِيْمَانًا مَّعَ إِيْمَانِهِمْ) (الفتح، 48: 4) وقال الله تعالى: (وَالَّذِيْنَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًي وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد، 47: 17) وقال الله تعالى: (اِنَّهُمْ فِتْيَةٌ اٰمَنُوْا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنٰهُمْ هُدًيo وَّرَبَطْنَا عَلٰي قُلُوْبِهِمْ) (الکهف، 18: 13 - 14) وقال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَO) (الأنفال، 8: 2) وقال الله تعالى: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِيْنَ اُوْتُوا الْکِتٰبَ وَ يَزْدَادَ الَّذِيْنَ اٰمَنُوْآ اِيْمَانًا) (المدثر، 74: 31) وقال الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُO) (آل عمران، 3: 173) وصَحَّ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا، أَوْسَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ (لَا يَدْرِي أَبُوْحَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ): مُتَمَاسِکُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّي يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوْهُهُمْ عَلَي صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. متفق عليه. وَعَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: مَا مُجَادَلَةُ أَحَدِکُمْ فِي الْحَقِّ يَکُوْنُ لَهُ فِي الدُّنْيَا بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ لِرَبِّهِمْ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِيْنَ أُدْخِلُوا النَّارَ قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا کَانُوْا يُصَلُّوْنَ مَعَنَا وَيَصُوْمُوْنَ مَعَنَا وَيَحُجُّوْنَ مَعَنَا فَأَدْخَلْتَهُمُ النَّارَ قَالَ: فَيَقُوْلُ: اذْهَبُوْا فَأَخْرِجُوْا مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ رواه البخاري.

هناک الصّراحة بالآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة، والدلالة والاقتضاء القطعي فيها بأن الإيمان والإيقان يزيدان، وکذا الهداية والمعرفة تزيدان بمدد الأمور المبارکة المفضّلة، ولهذا صار الحديث الحسن مؤيَدًا بالخيرات والبرکات، ويصير ناصرًا و مؤيِدًا أيضًا للضّعاف في الحسنات والمبرات. فأما المحسن فهو في المرتبة الرابعة الأعلي، فقال الله تعالى فيه: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاًO) (النساء، 4: 125) وقال: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَO) (البقرة، 2: 112) وفي قوله ’’وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ‘‘ إشارةٌ إلي أن ليس لهم الخوف علي نفوسهم أن لا يقبلوا ولا يصلوا الجنّة نعيمًا. وفي قوله ’’وَلَاهُمْ يَحْزَنُوْنَ‘‘ إشارةٌ إلي أن ليس لهم الحزن في أزواجهم وأحبابهم وأتباعهم وذرّيّاتهم لو تبعوهم في الإيمان أن يُرَدّوْا ويُلْقَوا في النّار تعذيبًا. وقال الله تعالى: (اِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيْبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِيْنَo) (الأعراف، 7: 56) وقال: (وَ اَحْسِنُوْا اِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَo) (البقرة، 2: 195) فهذا معلوم أنّ الإحسان لا يوجد ولا يتحقق إلا بالسخاء والنصرة والعطاء للغير، وإذ اختار العباد المحسنون عمل الإحسان لم يفعلوا إلّا الإيثار للضعفاء، والإمداد للمساکين، والاستغفار للمذنبين، وإذا اختار الله عزوجل جزاء الإحسان لن يفعل إلّا بقبول شفاعة المحسنين المسندين في حق الخطّائين المنتسبين إليهم، وبمعونتهم وبمغفرتهم، لأن نفوسهم کانت راضيةً، وجعلها الله مرضيةً، کي تفرح وترضي في أعوانهم وأنصارهم ومحبيهم ومتبعيهم فهل جزاء الإحسان إلّا الإحسان ولا بدّ أن يکون إحسان الله العظيم المعين أوسع من إحسان العبد المستعين، فأما المحسنون فهم أهل الإسناد الصحيح. فإنهم يشربون من تسنيم: (يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍO خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَO) (المطففين، 83: 25 - 26) فإن المحسن إيمانه بعيدٌ عن رجم الظّنون، ونظيفٌ کأمثال اللؤلؤ المکنون، ومعصوم من الخوف والحزن والرّيب، ومحفوظٌ من التّهمة والوهم والعيب، والمؤمن أي صاحب الإسناد الحسن هو ممنوع من الدّنس والدَّرَنِ، ولا يُوْصَفُ بکسل ولا أرن، نقيّ العرض والذّات، ومأمون عن الکبائر وخبائث الشّهوات، يبصر حسنه بالعين، لا يلفظ بلسان ولا شفتين، فأمّا المسلم وهو صاحب الإسناد الضّعيف، فتَنْقُصُ صحته بالعلّة، أمّا الشديد أو الخفيف فإنّه يقبل ويترقي من مرتبة الضعف إلي مرتبة العمل به، بالانتشار عند الثقات والانضمام بالمتابعات الطيبات، فإنّه يقبل بشفاعة الصحاح للکاملين والحسان المتقين، ويعتضد بتقوية الصالحين المحفوظين الثابتين، ويصلح بمتابعة المعروفين المقبولين الصادقين، ويتقوي بشهادة کثرة طرق الثقات المؤيدين العادلين، وينتفع بموافقة الحفّاظ المعدّلين والکبار المسندين، ويُحتجّ بتأييد القياس المعتبر، والإفتاء المشتهر، من العلماء المحققين، ويستشهد بقبول أهل العصور وتعامل أهل الدّهور من المحدثين.

فأما الأولياء والصلحاء المحسنون، أي أصحاب الإسناد الصحيح فقد قال الله تعالى في حقهم: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَO يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَO الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَO ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَO) (الزخرف، 43: 67 - 70) إنَّ الله فرّق بين ’’أنتم‘‘ و’’أزواجکم‘‘ في دخولهم الجنّة فقال: ادخلوا (أيها الأولياء) الجنّة أنتم، لأنکم من العباد المتّقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولکنّ ’’أزواجکم‘‘ أيضًا يدخلون الجنّة معکم فإنّهم لايدخلون باستحقاق أنفسهم، بل يکون دخولهم لأجل معيّتهم بالأقوياء المتّقين ولموافقتهم الصّلحاء الثّابتين، وبإعانة الصحاح الحسان المقبولين إنّ هذه المعيّة والموافقة والإعانة والتّقوية رفعت ضعف الأزواج الّذي کان في نفوسهم وأعمالهم وجعلتهم مقبولين مغفورًا لهم.

قال الله تعالى في مقام آخر: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍO فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِO كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَO مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍO وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيْمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌO) (الطور، 52: 17 - 21) إذا وقعت فطرة الذرّيّة مومنة سليمة طيّبة بقبول الفضائل والحسنات والخيرات والبرکات. ولکنّها ضعيفة في صحّتها وعملها ودرجتها. وصل إليها فيض الآباء الأقوياء، وبرکة الکبرآء ومدد الأولياء والصلحاء فيقوّيها، ويرفعها إلي مرتبة القبول، ويدخلها في الدرجات العليّة مع الأرواح الرفيعة المقرّبة الواصلة، فإنّه تعالى مبلغهم من الأدني إلي الأعلي، ومخرجهم من الوحشة إلي الوصلة، وموصلهم من الغربة إلي القربة. کما قال الله تعالى: (يَتَنَازَعُوْنَ فِيْهَا کَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيْهَا وَلَا تَأْثِيْمٌo) (الطور، 52: 23) إذا شرب هؤلاء الضعفاء شراب القبولية والقربة والوصال بعد رفع درجاتهم إلي مقامات الأولياء والصّلحاء من أهل الکمال فورثوا درجات الاستقامة بعد الموافقة من أهل الکرامة (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَO) (الطور، 52: 26) أي کنّا خائفين في حال الضّعف والفرقة والغربة، عالمين بأنّنا غير مقبولين وغير موصولين. (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَ وَقَانَا عَذَابَ السَّمُوْمِo) (الطور، 52: 27) أي أخرجنا الله تعالى من الذّلة و وصفنا بالعزّة وشرّفنا باللقاء والتّلقي والقبول. لأنّهم إذا رغبوا في حرص الثواب، والخوف من العقاب، وفي مناقب أهل الکمال وفضائل الأعمال اشتاق الصلحاء إليهم، وتلاقوا بهم، وتحابّ وتوافق الکبراء لهم، وتجالس وتماثل العمداء بهم، ورفعوهم وتقبّلوهم ووثّقوهم، ورجّحوهم حدّ الثقة والشهرة والترجيح.

فمن دخل في زمرهم تيسّر له المدد والبرکة والموافقة المؤيّدة، وخرج من الظلمة إلي النور، وتعزّز بالتّلقي والظهور، وحصل له الترقي والقبول بتحيّة السّ.لام ومزيد الجوار الکرام کما قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًاO تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيْمًاO) (الأحزاب، 33: 43 - 44) هذا الأصل من القطعيّات الشرعية الثابتة من الکتاب والسّنّة کما ذُکِرَ في الدعاء في القرآن الکريم: (وَاجْعَلْ لَّنَا مِنْ لَّدُنْکَ وَليًا وَّاجْعَلْ لَّنَا مِنْ لَّدُنْکَ نَصِيْرًا) (النساء، 4: 75) قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة، 9: 71) وقوله تعالى: (وَ تَعَاوَنُوْا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوٰي وَلَا تَعَاوَنُوْا عَلَي الْاِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة، 5: 2) فمعناه لو کانت هناک علّة في الإسناد علة قبيحة شديدة مثل الوضع والکذب، أو غير ذالک، فلا تنفعه شفاعة الشافعين. وإن کانت في الإسناد علةٌ خفيفةٌ ضعيفةٌ، مثل سيّئة أو زلّة أو خطيئة إمّا صغيرة أو کبيرة، تمکن إزالة ضررها بالشّفاعة والمعاونة والموافقة من الأولياء والصّالحين والثّابتين، لينفعه ويعينه ويرفعه فيصير مقبولاً ومعمولاً به. کما قال الله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌO) (التحريم، 66: 4) لأن الله جعل صالح المؤمنين ظهيرًا للضعاف المسلمين، فلا تنفع الشفاعة والولاية للکفار الظالمين، ولا للمنافقين.

وأمّا حکم المراسيل والضِعاف فالخبر المرسل هو قويٌّ وحجّةٌ عند أکثر الأئمة الکبار، غير محتاج للتقوية والاعتضاد والانتصار، کالضعيف والمجروح في الاعتبار، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَO) (التوبة، 9: 122) دلّت الآية علي أنّ الطائفة الّتي تفقّهت في الدّين، وتخصصت في العلم. إذا رجعت إلي قومها وأنذرتهم بما قال النّبي صلى الله عليه وآله وسلم. أنّه يجب قبول خبرهم، ولم تفرق الآية في الأخبار والإنذار بين ما أسندوه، وما أرسلوه، ولا بين الصحابة والتابعين، ومن بعدهم. ولم يميز بين من أخبر وأنذر مِنْ مرسلٍ أو من مسند. فقد قال الله تعالى فيه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات، 49: 6) رويت هناک قراء تان متواترتان ’’فتبيّنُوْا‘‘ أو ’’فتثبَّتُوْا‘‘ وما قال ’’فَلا تقبَلُوْا‘‘ أو ’’ردُّوْه‘‘ أو ’’اترکوه، بل الأمر فيه للتبين والتحقق والتثبت. فلم يأمر الله تعالى بالتبيّن والتثبّت إلا في خبر الفاسق، فدلّت الآية علي أنّ العدل الثّقة لا يجب التبيُّن والتثبُّت والتحقّق في خبره، والمرسل عدلٌ ثقة فيجب قبول خبره لأنّ الآية لم تفرق بين ما أ سنده وما أرسله، وهکذا الأحاديث النبوية صلى الله عليه وآله وسلم الّتي وردت في التبليغ کقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’بلغّوا عنّي ولو آية.‘‘ و’’ليبلّغ الشاهد منکم الغائب.‘‘ رواهما البخاري لأنّه أمر بالتبليغ عنه في کلّ حالٍ ومجالٍ، فالأمر بالتبليغ لا بّد له من فائدة العمل بما يبلّغ الراوي من بعده، ولم يفرّق الحديث بين ما کان يبلّغه الراوي مسندًا أو مرسلًا. واتّفق الصحابة علي قبول روايات ابن عباس والنعمان بن بشير وابن الزبير رضي الله عنهم، وسائر الصغار من الصحابة والقرابة. مع أنّهم لم يسمعوا من النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أکثرها ورووها مرسلة وهکذا إجماع التابعين علي قبول المراسيل ولم يزل العمل بالإرسال وقبوله حتي حدث بعد المائتين القول بردّه. ولاريب أنّ خبر الفاسق هو الإسناد الضعيف جدًا فأشار بهذا الأمر إلي وجود الصلاحيّة الأصليّة للقبول في السند الضعيف، ولوکان ’’نبأ الفاسق‘‘ مردودًا قطعًا ومطلقاً لقال الله تعالى: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَO) (النور، 24: 4) ولکن قوله: ’’فتبيّنوا‘‘ صريح الدلالة وصحيح الشهادة، لأنّ هذا الخبر والإسناد مطالب فيه بالتبيّن والتحقق للقبول، ولا يجوز الإنکار عليه والتکذيب به علي الإطلاق فمعناه لوحصلت التقوية للإسناد الضعيف بعد التبيّن والتثبت لتأييد الثقات والأثبات فيقبل ويعمل به. أو وجد الخبر الضعيف في المناقب، وفي الفضائل وفي الترغيب والترهيب فيقبل ويُعمل به. أو وجد الخبر من طريقين: کل منهما ضعيف قوي أحد الطريقين بالآخر فيصير حسنًا. أو وجد الخبر، فصرّح أحد من أئمة الحديث والجرح وضعه أو ضعفه وآخر بالصحة، وتوجد کثرة طرق فيه أو تأيد متنه برويات أخري، فيصير في درجه الحسن. أو وجد الخبر بسند ضعيف وتوبع بمعتبر يقبل ولا ينحط إلي الضعف. أو وجد الخبر الضعيف وورد من جهة أخري. أو وجد الخبر الضعيف في أمر لا يروي فيه حديث بإسناد أحسن منه، فيقبل ويعمل به. فإنّ الضعيف هو مانقص عن درجة الحسن قليلا، کما الحسن هو ما قصر عن رتبة الصحيح قليلا، وارتقي عن درجة الضّعيف، ولذا يقال آخر مراتب الحسن هي أوّل مراتب الضّعيف. وهکذا جعل المطروح ما نزل عن رتبة الضّعيف، وارتفع عن الموضوع، فمنزلته بين الضعيف والموضوع، حتي لا يقال الضعيف ولا المتروک ولا المطروح موضوعًا، لأنّ کلّ ضعيفٍ ليس بموضوعٍ، بل الموضوع هو المختلق المضبوع، هو في الحقيقة ليس بحديث، ولکنّ المحدثين سمّوه حديثًا بالنظر إلي زعم راويه، فإنّ الموضوع لا يعادل الضّعيف ولا يساويه. أمّا الضعاف فيکفي لنا قول العفاف قول الإمام عبد الرحمٰن بن المهدي، رواه الحاکم في المدخل: ’’إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد وسمحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحکام تشدّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال.‘‘ وأيّد هذا القول الّذي صدر من أکابر الأئمة والرجال قول الإمام أحمد بن حنبل رواه الحاکم في المدخل إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحلال والحرام والسّنن تشدّدنا، وإذا روينا عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حکمًا ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد.

فَإِنَّ شِرَّ الضَّعِيْفِ الْمَوْضُوْعُ، وَأَخَفَّهَا الْمَتْرُوْکُ، ثُمَّ الْمُنْکَرُ، ثُمَّ الْمُعَلَّلُ، ثُمَّ الْمُدْرَجُ، ثُمَّ الْمَقْلُوْبُ، ثُمَّ الْمُضْطَرِبُ، فَهُوَ الْمُضْطَرُّ هَکَذَا رَتَّبَ ابْنُ حَجَرٍ.

أمّا بعد: فإنّ علم السّنّة والحديث أشرف المطالب وأعلاها وأنجح الرغائب وأغلاها وأطيب المکاسب وأز کاها وأهم الأمور بالعناية وأولاها قد بيّن الله شرفه وفضله ورفع أسانيد أهل الرواية وکملهم بمعارف لطائف الدراية ومنّ علينا بهباته الوافرة وآلائه المتکاثرة وأيّدنا بهذا الدين المتين برواية السّنّة المطهرة والأحاديث الشريفة المنوّرة في کل زمان ومکان.

کما نقل العلامة محمد جمال الدين القاسمي في قواعد التحديث ’’قال الإمام النووي قدس الله سرّه في ’’مقدمة شرحه علي صحيح مسلم‘‘: ’’إن من أهم العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبويات، أعني معرفة متونها، صحيحها وحسنها وضعيفها، وبقية أنواعها المعروفات، ودليل ذلک: أن شرعنا مبنيٌّ علي الکتاب العزيز والسنن المرويات، وعلي السنن مدار أکثر الأحکام الفقهيات، فإنّ أکثر الآيات الفروعيات مجملاتٌ، وبيانها في السنن المحکمات.

وقد اتفق العلماء علي أنّ من شرط المجتهد من القاضي والمفتي والمفتي أن يکون عالما بالأحاديث الحکميات. فثبت بما ذکرناه: أنّ الاشتغال بالحديث من أجلّ العلوم الراجحات، وأفضل أنواع الخير، وآکد القربات. وکيف لا يکون کذلک وهو مشتمل علي بيان حال أفضل المخلوقات، عليه من الله الکريم أفضل الصلوات والسلام والبرکات؟

ولقد کان أکثر اشتغال العلماء بالحديث في الأعصار الخاليات، حتي لقد کان يجتمع في مجلس الحديث من الطالبين ألوفٌ متکاثراتٌ، فتناقص ذلک، وضعفت الهِمم، فلم يبق إلا آثارٌ من آثار هم قليلات، والله المستعان علي هذه المصيبة وغيرها من البليات.

وقد جاء في فضل إحياء السنن المماتات أحاديث کثيرة، معروفات مشهورات، فينبغي الاعتناء بعلم الحديث، والتحريض عليه لما ذکرنا من الدلالات، ولکونه أيضاً من النصيحة ﷲ تعالى، وکتابه ورسوله وللأئمة والمسلمين والمسلمات، وذلک هو الدين کما صحّ عن سيد البريات صلوات الله وسلامه عليه، ولقد أحسن القائلُ: من جمع أدوات الحديث استنار قلبه واستخرج کنوزه الخفيات، وذلک لکثرة فوائده البارزات والکامنات، وهو جديرٌ بذلک، فإنه کلام أفصح الخلق، ومن أعطي جوامع الکلمات صلى الله عليه وآله وسلم صلوات متضاعفات.

وقال العلامة الشهاب أحمد المِنّيني الدمشقي الحنفي. في ’’القول السديد في إتصال الأسانيد‘‘: إن علم الحديث علمٌ رفيعُ القدر، عظيمُ الفخر، شريف الذکر، لا يعتني به إلا کلُّ حَبْرٍ، ولا يُحرمُهُ إلاّ کلُّ غِمْرٍ، ولا تَفْنَي محاسنُهُ علي ممرّ الدهر، لم يزل في القديم والحديث يسمو عزة وجلالة، وکم عزّ به من کشف الله له عن مخبآت أسراره وجلاله، إذْ به يُعرف المراد من کلام رب العالمين، ويظهر المقصودُ من حَبْلِهِ المتصل المتين، ومنه يُدرَي شمائلُ مَنْ سَمَا ذاتًا ووصفًا واسمًا ويوقف علي أسرار بلاغة مَنْ شرَّف الخلائق عُرْبًا وعجمًا، وتمتدُّ من برکاته للمُعتني به موائدُ الإکرام من ربّ البرية، فيُدرک في الزمن القليل من المولي الجليل المقامات العلية والرتب السنية، مَنْ کَرَعَ من حِيَاضِه أو رَتَعَ في رياضه فَلْيَهْنهِ الأنسُ بجني جنانه السنة المحمدية، والتمتع بمقصورات خيام الحقيقة الأحمدية، وناهيک بعلم من المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم بدايتُهُ، وإليه مستندُهُ وغايتُهُ، وحسبُ الراوي للحديث شرفاً وفضلاً، وجلالةً ونُبْلاً، أن يکون أول سلسلة آخرها الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلي حضرته الشريفة بها الانتهاءُ والوصولُ، وطالما کان السلفُ الصالح يُقاسُون في تحمّله شدائدَ الأسفار، ليأخذوه عن أهله بالمشافهة، ولا يقنعون بالنقل من الأسفار فربما ارتکبوا غارب الاغتراب بالارتحال إلي البلدان الشاسعة لأخذ حديثٍ عن إمام انحصَرَتْ روايتُهُ فيه، أو لبيان وضع حديثٍ تتبعُوا سَنَدَهُ حتي انتهي إلي مَنْ يَختلِقُ الکذب ويفتريه، وتأسّي بهم مَنْ بعدهم من نَقَلةِ الأحاديث النبوية، وحَفَظَةِ السنة المصطفوية، فضبطُوا الأسانيد وقيدوا منها کلَّ شريدٍ، وسَبَروا الرواة بين تجريحٍ وتعديلٍ، وسلکوا في تحرير المتن أقوم سبيلٍ، ولا غرض لهم إلاَّ الوقوفُ علي الصحيح من أقوال المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم وأفعاله، ونفي الشبهة بتحقيق السند واتصاله، فهذه هي المَنْقَبةُ التي تتسابقُ إليها الهِممُ العوالي، والمأثرة التي يُصرَف في تحصيلها الأيامُ والليالي.

وقال الإمام أبو الطيب الأثَري القَنْوَجي رحمه الله في کتابه ’’الحِطة في ذکر الصحاح الستة‘‘: اعلم أنّ آنف العلوم الشرعية ومفتاحَها، ومشکاةَ الأدلة السمعية ومصباحَها، وعمدةَ المناهج اليقينية ورأسَها، ومبني شرائع الإسلام وأساسَها، ومستندَ الروايات الفقهية کلّها، ومآخذَ الفنون الدينية دِقّها وجُلّها، وأسوة جملة الأحکام وأسَّها، وقاعدة جميع العقائد وأُسْطُقُسها، وسماء العبادات وقُطْبَ مَدَارها، ومرکزَ المعاملات وَمَحطَّ حارّها وقارها، هو: علمُ الحديث الشريف الذي تُعرف به جوامعُ الکَلِم، وتنفجرُ منه ينابيعُ الحِکمَ، وتدورُ عليه رَحَي الشرح بالأسْر، وهو مِلاَکُ کل نهي وأمر، ولولاهُ لقالَ من شاء ماشاء، وخَبَط الناسُ خَبْطَ عَشْواءَ، ورکبوا متن عمياء، فطوبي لمن جَدَّ فيه، وحصل منه علي تنويه يملک من العلوم النواصي، ويُقَرّبُ من أطرافها البعيد القاصي.

وَمَنْ لم يرضع من درّه، ولم يَخُصْ في بحره، ولم يقتطف من زهره، ثم تعرّض للکلام في المسائل والأحکام، فقد جار فيما حکم، وقال علي الله تعالى مالم يعلم، کيف وهو کلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والرسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) أشرفُ الخَلْق کلّهم أجمعين، وقد أُوتي جوامعَ الکَلِم، وسواطعَ الحِکَم من عند رب العالمين. فکلامُهُ أشرفُ الکَلِم وأفضلُها، وأجمعُ الحِکم وأکملُها، کما قيل: ’’کلامُ الملوک ملوکُ الکلام.‘‘ وهو تِلْوُکلام الله تعالى العَلاَّم، وثاني أدلة الأحکام، فإن علوم القرآن وعقائد الإسلام بأسرها، وأحکام الشريعة المطهرة بتمامها، وقواعد الطريقة الحقّه بحذافيرها، وکذا الکشفياتُ والعقلياتُ بنقيرها، وقِطْمِيرها، تتوقفُ علي بيانه صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنها مالم تُوزَنْ بهذا القسطاس المستقيم، ولم تُضْرَب علي ذلک المعيار القويم، لا يُعتمد عليها، ولا يُصار إليها.

فهذا العلم المنصوص، والبناءُ المرصوص، بمنزلة الصرّاف لجواهر العلوم، عقليّها ونقليّها، وکالنقَّاد لنقود کل الفنون، أَصليها وفرعيها من وجوه التفاسير والفقهيات ونصوص الأحکام، ومآخذ عقائد الإسلام، وطرق السلوک إلي الله تعالى ذي الجلال والإکرام، فما کان منها کامل العيار، في نقد هذا الصرَّاف، فهو الحَرِيُّ بالترويج والاشتهار، وماکان زيفاً غيرا جيد عند ذاک النقاد، فهو القَمِين بالرد والطرد والإنکار.

فکلُّ قول يُصَدّقُهُ خبرُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو الأصلحُ للقبول، وکلُّ ما لا يساعده الحديث والقرآن، فذلک في الحقيقة سَفْسَطَةٌ بلا برهان، فهي مصابيح الدُّجَي، ومعالِمُ الهدي، وبمنزلةِ البدر المنير، مَنْ انقاد فقد رَشَد واهتدي، وأوتي الخير الکثير، ومن أعرضَ عنها وتولّي فقد غَوَي وهَوَي، وما زاد نفسَهُ إلاّ التخسير، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم نهي وأمر، وأنذرَ وبشَّر، وضَرَب الأمثالَ وذکّر، وإنها لَمِثْلُ القرآن بل هي أکثر، وقد ارتبطَ بها اتباعُهُ صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو ملاَک سعادة الدارين، والحياةُ الأبديةُ بلامَيْنٍ، کيف وما الحقُّ إلا فيما قاله صلى الله عليه وآله وسلم أو عَمِل به أو قرَّرَهُ أو أشار إليه أو تفکّر فيه، أو خطر بباله أو هَجَسَ في خَلَده واستقام عليه، فالعلمُ في الحقيقة هو علمُ السنة والکتاب، والعمل بهما في کل إياب وذهاب، ومنزلتُهُ من العلوم منزلةُ الشمس بين کواکب السماء، وَمَزِيّةُ أهله علي غيرهم من العلماء، مزيةُ الرجال علي النساء (ذَلِکَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيْهِ مَنْ يَشَأءُ) (المائدة، 5: 54)، فيَالَهُ من علم سِيْط بدمه الحقُّ والهدي، ونيْطَ بعنُقهِ الفوزُ بالدرجات العُلي. وقد کان الإمام محمد ابن علي ابن الحسين (محمد الباقر) عليه السلام يقول: ’’إنَّ من فقه الرجل بصيرتَهُ أو فِطنتَهُ بالحديث.‘‘

فلذلک لا يزال يجري ذکر أقواله الکريمه وأحواله العظيمه وفضائله الشريفة وشمائله المنيفة علي لسان الصحابة والتابعين والرواة المحدثين ولم يبرح تمثال جماله الکريم وخيال وجهه الوسيم ونور حديثه المستبين تحت أمرالنبي الأمين المکين صلى الله عليه وآله وسلم:

1. کما روي ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’نضّر الله امرءً ا سمع منّا شيئًا فبلّغه کما سمعه، فربّ مبلغٍ أوعٰي من سامع.‘‘

رواه الترمذي وأبوداوود.

2. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ’’نضّر الله المرء سمع منّا حديثًا فبلّغه غيره، فربّ حامل فقه إلي من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه.‘‘ رواه أبوداود.

3. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ’’نضّر الله امرءً ا سمع مقالتي، فحفظها ووعاها وأدّاها.‘‘ رواه الترمذي وأبوداود والشافعي واللفظ له والبيهقي.

4. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’اللّهم ارحم خلفائي، قيل: ومن خلفاؤک؟ قال: الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي، ويعلّمونها الناس.‘‘ رواه الطبراني في الأوسط.

5. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’بلّغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن کذب عليّ متعمدًا فليتبوّأ مقعده من النار.‘‘ رواه البخاري.

6. وعن أبي قرصافة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ’’حدّثوا عنّي بما تسمعون، ولا تقولوا إلا حقًا، ومن کذب عليّ بني له بيت في جهنم يرتعُ فيه.‘‘ رواه الطبراني.

7. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ’’علِّموا ويسِّروا ولا تعسِّرو، وبشروا ولا تنفِّروا، وإذا غضب أحدکم فليسکت.‘‘

رواه أحمد والبخاري في الأدب.

8. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ’’تعلّموا الفرائض والقرآن، وعَلِّمُوا الناس، فإني مقبوض.‘‘ رواه الترمذي.

9. وعن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لبلال بن الحرث يومًا: ’’اعلم يا بلال قال: ما أعلم يا رسول الله، قال: أن من أحيا سنة من سنتي أميتت بعدي، کان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله، کان عليه مثل آثام من عمل بها، لا ينقص ذلک من أوزار الناس شيئا.‘‘

رواه الترمذي وابن ماجه.

10. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ’’المتمسّک بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد.‘‘ رواه الطبراني.

11. عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ’’من تمسّک بسنّتي عند فساد أمتي فله أجر مئة شهيد.‘‘ أخرجه البيهقي ورفعه.

12. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ’’يحمل هذا العلم من کل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.‘‘ أخرجه ابن عدي في الکامل ورواه البيهقي في المدخل، والدارقطني في السنن، وأبونعيم في کتاب الضعفاء وذکر القسطلاني أنه يصير بطرقه حسنًا وجزم به العلائي.

13. وعن ثابت بن قيس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ’’تسمعون ويسمع منکم، ويسمع من الذين يسمعون منکم، ويسمع من الذين يسمعون من الذين يسمعون منکم.‘‘ رواه الطبراني والحاکم.

14. وعن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه کان يقول: ’’سيأتي قومٌ يجادلونکم بشُبْهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإنَّ اصحابَ السنن أعلم بکتاب الله عزوجل.‘‘ نقله الامام الشعراني في الميزان الکبري.

فإِنَّ اللهَ جَعَلَ لَنَا الثِّقَاتَِلإِسْنَادِ الرِّوَايَةِ وَإِبْلاَغِ الدِّيْنِ، لِأَنَّ الإِبْلَاغَ وَالإِسْنَادَ مِنْ خُصُوْصِيَاتِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَةِ، فَمَا مِنْ أُمَّةٍ مِّنْ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِيْنَ کَانَتْ لَهَا هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ الْعِلْمِيَةُ الرَّفِيْعَةُ تَبْلُغُ دِيْنَهَا بِالإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ بَيْنَ نَبِيِهَا وَبَيْنَ عُلَمَاءِهَا، قَدْ فَاضَلَ اللهُ تَعَالَي بِهَا خَيْرَ أُمَّةٍ وَشَرَّفَ أَئِمَّتَهَا بِآدَابِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَي الْمُحَدِّثِيْنَ، وفي قوله تعالى: (أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) (الأحقاف، 46: 4) هي إشارةٌ إلي إسناد الحديث وروايته هذا الأمر في شأن الإسناد لرواية الدين، وقال الأئمّة الکبار من التّابعين:

15. منهم الإمام محمد بن سيرين رضي الله عنه ( 110ه) الّذي قال: ’’إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينکم‘‘. رواه مسلم.

16. وعنه قال: ’’لم يکونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالکم، فيُنظر إلي أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلي أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم‘‘. رواه مسلم.

17. وعن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ( 125ه) قال: ’’لا يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا الثقات‘‘. رواه مسلم والدارمي.

18. وعن عبد الله بن المبارک رضي الله عنه ( 181ه) قال: ’’الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ماشاء‘‘. رواه مسلم.

19. وعنه رضي الله عنه قال: ’’بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد.‘‘ رواه مسلم.

20. وعن الإمام الشافعي رضي الله عنه ( 204ه) قال: ’’مَثَلُ الذي يطلب العلم بلا حجة، مثل حاطب ليل، يحمل حُزْمَةَ حطب فيها أفعي، تَلْدغه وهو لا يدري.‘‘

رواه البيهقي.

21. وعن الربيع بن سليمان المرادي رضي الله عنه ( 174ه): ’’مثل الّذي يطلب الحديث بلا إسناد، مثل حاطب ليل.‘‘

22. وعن سفيان الثوري رضي الله عنه ( 161ه) قال: ’’الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يکن معه سلاح، فبأي شيء يقاتل.‘‘ رواه الذهبي والخطيب.

23. قال صالح بن أحمد ( 384 ه): ’’يعني إن الحديث بلا إسناد ليس بشيء وإن الإسناد دُرج المتون به يوصل إليها.‘‘ رواه الخطيب.

فجمع الأئمة سنته المطهرة وأحاديثه الشريفة في الکتب ورتّبوها في المؤلفات، وقسموها في الطبقات والدرجات قد صحّ طلوع شمسه صلى الله عليه وآله وسلم علي مطلع الصحاح، وأضائت جميع لوامعه علي منظر الجوامع، وتسنّنت عنه الأحکام والمِنَنُ في السّنن وتعدّدت طرقه بأسانيد أصحابه في المسانيد، وانتشرت مَعَالِمُه بالأسماء علي الهجاء في المعاجم، واشتملت أحکامه مبوّبة في المصنفات، واستددرِکت روايات کماله علي نفس الشرط في المستدرکات، واستخرجت مرويّاته بأسانيد أخري في المستخرجات، واختيرت اللألي الجيّدة من کلامه في المنتقي، وجمعت أخباره المأثورة في الآثار و نوّرت أنوار أشعته في الأجزاء.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الشُّهُوْدِ الْعُدُوْلِ الثِّقَاتِ، وَأَتْبَاعِهِ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْاِعْتِبَارِ وَالْمُتَابَعَاتِ، الّذِيْنَ ضَبَطُوْا فِي صَدَوْرِهِمُ الْمَعَارِفَ وَالْمِنَنَ، وَبَلَّغُوْا إِلَيْنَا أَحْکَامَ الْکِتَابَ وَالسُّنَنَ وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ مَوْصُوْفٌ بِالتَّدْلِيْسِ وَالتَّضْلِيْلِ، لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوْا فِي الرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَالْهِدَايَةِ بَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ، حَتَّي جَعَلَ اللهُ بِهِمْ غَرِيْبَ الدِّيْنِ عَزِيْزًا مُؤَهَلًا وَقَوِيّ الشِّرْکِ ضَعِيْفًا مُسْلَسَلًا وَصَارَ قَوْلُ وَعَمَلُ کُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَحِيْحًا، حَسَنًا، جَيِدًا، قَوِيًا، صَالِحًا، مَعْرُوْفًا، مَحْفُوْظًا، ثَابِتًا، وَمُجَوَّدًا.

قد ألّفت هذه الرسالة ولخصت فيها مسألة مهمة عظيمة وسميتها ’’الخطبة المفيدة‘‘ تتضمن ما يأتي به شواهد الحق من النصيحة في أصول الحديث وفروعِ العقيدة الصحيحة السديدة وهذه الأنوار المکنونة والأسرار المخزونة، تنزل علي سماء الروح من الملاء الأعلي وتضيء علي مطلع القلب بعد کشف الغطاء فاشرب من هذه الکأسة علي قدر ما تستطيع وما تشاء وانتفع بها بالأخذ والحفظ والتحمل والأداء علي قدر ما اقتضي فتوکل علي الله وأسأل الله تعالى أن يجعل هذه الخطبة نافعة ومفيدة وصحيحة وسديدة بحرمة سيد الأنبياء والمرسلين وصلّي الله عليه وآله وأصحابه وأتباعه أجمعين إلي يوم الدين.

کتبه

الرّاجي إلي الربّ الغفور العلي
والفقير إلي حضرة النّبي المصطفٰي صلى الله عليه وآله وسلم
خادم العلم والحديث

الدکتور محمد طاهر القادري
ابن الشيخ الدکتور فريد الدين القادري
باکستان

Copyrights © 2024 Minhaj-ul-Quran International. All rights reserved